رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى عبدالاله الخطيب يعهد إليه فيها بتأسيس ورئاسة الهيئة المستقلة للانتخاب
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الأخ عبدالاله الخطيب، حفظه الله ورعاه،
رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب،
السادة أعضاء الهيئة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
نبعث إليك وزملائك أعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب بتحية ملؤها الاعتزاز بكم، والثناء على الدور الوطني الرائد، الذي ستنهضون بتحمل مسؤولياته بإخلاص وأمانة، إن شاء الله.
فقد عرفناك جندياً من جنود الوطن المخلصين الذين عملوا بكل أمانة وإخلاص في سائر المواقع التي تحملت فيها أمانة المسؤولية على المستوى الوطني والدولي، ما يدفعنا اليوم لتكليفك وزملائك أعضاء الهيئة بهذه المهمة الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة من مسيرة وطننا العزيز.
إن تأسيس الهيئة المستقلة للانتخاب يأتي كإنجاز وطني مميز ينتظم في مسيرتنا الإصلاحية، ويمثل خطوة أساسية للاستعداد لإجراء انتخابات نيابية في أعلى مستوى من النزاهة والشفافية والحيادية، ليكون هدفها الأساس تلبية متطلبات التحديث والتطوير والإصلاح الحقيقي، الذي دأبنا عليه كهدف أسمى في مسيرتنا التاريخية، التي جمعت عناصر النهضة الوطنية والقومية، وكان أساسها التدرج والتسامح والديمقراطية وتكريس روح الأسرة الواحدة.
كما أن خروج الهيئة المستقلة للانتخاب إلى حيز الوجود قد جاء كأبرز النتائج المنشودة للتعديلات الدستورية التي تحققت لشعبنا العام الماضي. وإننا نعوّل على تشكيل هذه الهيئة في التأسيس لمرحلة جديدة في التاريخ السياسي الأردني، مرحلة يكون عنوانها التوازن بين السلطات، وتتميز بارتقاء مستمر في الأداء السياسي النيابي والحزبي، وهي المرحلة التي ستقودنا إلى النهوض بالحياة السياسية، والمضي قدماً في مسيرة البناء والانجاز، التي تلبي تطلعات شعبنا العزيز وتحقق الأفضل لوطننا الغالي.
إن مشروع الإصلاح الأردني يدخل اليوم مرحلة جديدة معززاً بدفعة جوهرية من الجدية والحرص والعمل الدؤوب والمستمر، وها هو يقطع شوطاً كبيراً ومازال يمضي مع إخراج هذه الهيئة إلى حيز الوجود، لتنضم إلى الخطوات المحورية الأخرى التي تأتي استحقاقا وترجمة للتعديلات الدستورية، وتشكل البنية التشريعية الضرورية لعملية إصلاحية مؤسسية، ضماناً لتفعيل المشاركة الشعبية والحزبية والنيابية والحكومية بشكل يرتقي إلى مستوى الطموح الوطني، من خلال تحمل الجميع لمسؤولياته والمشاركة في عملية صياغة القرار الوطني.
إننا نؤكد على أهمية أن تتمثل المهمة الوطنية للهيئة بالإشراف على الانتخابات النيابية وإدارتها في جميع مراحلها، وأن يكون ذلك وفق أفضل المعايير والممارسات العالمية، وذلك استجابة للوعي والحرص الوطني الذي يتمتع به شعبنا العزيز، وحماس المشاركة الذي أظهرته أطياف وقطاعات واسعة من أبناء وبنات الأردن، لتكون الانتخابات النيابية محطة رئيسة وعلامة فارقة في مسيرتنا الإصلاحية الشاملة، وبحيث يتم إعمال آلية مثلى لضمان أعلى درجات العدالة والشفافية والنزاهة والحياد في إجرائها، بغية تحفيز غالبية أبناء وبنات شعبنا لممارسة حقهم الدستوري في انتخاب الأقدر على تمثيلهم والدفاع عن مطالبهم وتحقيق احتياجاتهم، وبما يضمن إيجاد مجلس نيابي يترجم الإرادة الحقيقية للشعب، ويمثل مختلف شرائح ومكوّنات المجتمع، وينهض بدوره المنتظر من الأردنيين جميعا في التشريع وجدارة الرقابة وفاعليتها، ويسهم في تحقيق التنمية الشاملة التي تنعكس آثارها الايجابية على حياة المواطنين.
إننا على ثقة تامة من أن هذه الهيئة، التي تضم كفاءات وخبرات وطنية مشهود لها بالنزاهة والحياد والوعي والمسؤولية ستقوم بمهامها على أكمل وجه. وفي هذا الإطار، فقد وجّهنا الحكومة إلى تقديم جميع أشكال الدعم للهيئة لتمكينها من ممارسة مسؤولياتها الوطنية، بما ينسجم مع قانون الهيئة وعلى أسس من الشفافية والاستقلالية والنزاهة، لتمكين مجتمعنا من عبور مرحلة مفصلية في مسيرته الإصلاحية بأداء نوعي يتسم بالوطنية والتميز، ويرتقي إلى مستوى الآمال الكبيرة التي يرنو إليها شعبنا الوفي النبيل. وهذا يتطلب من هيئتكم المستقلة في عملها بناء القدرات والأنظمة الفاعلة، وإعداد الكوادر المطلوبة والمؤهلة، وفق أفضل الممارسات وبما يضمن تمكينكم جميعا من ممارسة مهامكم وتحقيق أهدافكم على أحسن وأكمل وجه، وبأسرع وقت ممكن تحقيقا لتطلعات شعبنا الغالي في أن يكون الأردن النموذج في مسيرته الإصلاحية.
وإننا على ثقة بأن شعبنا بكل فئاته وألوانه وأطيافه يتطلع إلى دور هذه الهيئة كنقطة مضيئة في مسيرتنا الديمقراطية، تعمل بالتناغم مع الخطوات التي سبقتها ومع البرامج والخطوات التي ستأتي من بعدها للارتقاء بالأردن نحو آفاق جديدة، وتحقيق كل ما يصبو إليه الأردنيون والأردنيات من تكريسٍ لقيم الحرية والعدالة والتصدي لآفات الفساد بجميع أشكاله، ليظلّ المجتمع الأردني رائدا في التعددية والديمقراطية والمشاركة الشعبية الحقيقية.
وإننا إذ نتمنى لكم النجاح والتوفيق، لنسأل المولى عز وجل أن يوفقنا جميعاً في سعينا لبناء المستقبل الزاهر الذي يليق بشعبنا العزيز، على هدي من قوله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين