رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى طلبة المدارس بمناسبة العام الدراسي الجديد
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على النبي العربي الأمين
وعلى آله وصحبه أجمعين
أبناءنا وبناتنا الطلبة الأعزاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فمع مطلع العام الدراسي يتجدد اللقاء بين أبنائنا وبناتنا، در الأردن وذخره، وواحدة من أغلى مؤسسات الوطن، المؤسسة التعليمية بمختلف درجاتها وتخصصاتها.
وبهذه المناسبة، نود أن نؤكد اعتزازنا بمؤسساتنا التعليمية، من مدارس وكليات ومعاهد وجامعات، وأن نجدد حرصنا على أن تظل منبعا لتميزنا، وحصنا لهويتنا وذاتنا. ونريد لها أن تكون الطريق والوسيلة للمضي قدما، وبخاصة أن الأردن العربي الهاشمي قد تأسس ونشأ في مدرسة قيم العطاء والتضحية والإخلاص للدين والعروبة.
وفي الوقت الذي يمر فيه الإقليم بظروف سياسية معقدة وصعبة، تتجلى أهمية نظمنا التعليمية والتربوية الوطنية. فهي الأساس والمبتدأ، ومصنع العقول النيرة ومسرح التدريب للقيادات الواعدة. ومؤسساتنا هذه مطالبة اليوم بالنهوض إلى مستوى المسؤوليات التاريخية الواقعة عليها.
ففي زمن أصبح فيه التطرف والتشدد والرفض السلبي وعدم قبول الآخر ثقافة سائدة لدى بعض المجتمعات، فإننا نتطلع إلى المؤسسات التعليمية لحماية المواطن الأردني العزيز وتحصينه من الانزلاق وراء مثل هذه الأفكار، وضمان سلامة رأيه، وصحة منطقه، وإلا خسر المجتمع هذا الفرد، وحرم من عطائه، وهو أعز ما نملك.
وهذا الدور الفكري المفصلي هو في صميم العملية التربوية في الأردن، والقائمون على هذه العملية هم القدوة وأصحاب العلم والمعرفة والثقافة. وعليهم تقع أمانة رعاية الأجيال الفتية من الأردنيات والأردنيين النشامى، وقيادتهم إلى ميادين المعرفة وشواطئ الإبداع، وما يلي ذلك إنما هو مسؤولية الطالب وما يناله بجده واجتهاده.
والأمم الناهضة لا تنال نصيبها من الرقي والتقدم والرفاه إلا بالعلم. ونحن في الأردن عازمون على النهوض والتغيير الإيجابي، وتكريس مبدأ المشاركة والعدالة وتكافؤ الفرص والتسامح واحترام الرأي والرأي الآخر. أما المؤسسات التعليمية العامة والأهلية، فهي الروافد الأساسية لصياغة هذه المبادئ النبيلة.
وكما نطالب المعلمين بالعطاء والانفتاح والابتكار وهم يؤدون دورهم الحيوي في العملية التربوية، فإننا نحث طالباتنا وطلابنا الأعزاء على التميز، والتفوق، والاستفادة من كل فرصة ممكنة، ومقابلة العطاء بالمثابرة، والحرص بالمسؤولية، وثقوا بأن نجاحكم هو نجاح للوطن وأهله، وعلامة على تقدمه وصورته الحضارية الزاهية.
أعزاءنا الطلبة،
ومع الحديث عن العملية التربوية تبرز أهمية الإشارة إلى ضرورة مراعاة الموازنة والاتساق والتطوير في وضع مناهجنا التعليمية وتطبيقها. وإذا كان تطوير المناهج مفهوما في مرحلة معرفية تحولية مثل تلك التي يمر بها عالمنا اليوم، فإنه لا بد من احتواء هذا التطور حتى لا ينال من استقرار الطلاب الفكري، وحتى نتمكن من مراكمة رصيد معرفي يؤسس لذاكرة وطنية مشتركة يتحلى بها الأردنيون من مختلف الأجيال.
وتبرز في هذا المقام أيضا مسألة الموازنة بين ضرورة الأصالة وحتمية الحداثة، ولا بد من معالجة هذه المسألة الشائكة في مناهجنا، وطرق تعليمنا، وتمكين المعلمين من إدراك أبعادها ليتفرغوا لصقل شباب أردني واثق بإرثه، وفخور بهويته العربية والإسلامية، ومقبل في نفس الوقت على ما هو مفيد ونافع في حضارة الآخر ومعرفته.
ولأن العملية التعليمية تبادلية بين المعلم والطالب، فقد حرصنا على موازنة الرعاية والدعم الهادفين إلى النهوض بجناحي هذا القطاع الحيوي. وما تمكين المعلم اقتصاديا ومجتمعيا عبر توفير المسكن اللائق، والدخل الكريم إلا خطوة أولى على طريق رفاه العاملين في قطاع التعليم، وهو هدف يتقدم أولوياتنا الوطنية في مسيرة البناء والتحديث.
إن مشاريع دعم الطلاب، ومبادرات تزويد المدارس بأدوات التكنولوجيا والمعرفة والبحث العلمي هي أيضا بادرة أولى على طريق ثورة المعرفة، ونحن حريصون على إيلاء هذا الشأن جل اهتمامنا ودعمنا.
أبناءنا وبناتنا الأعزاء،
ندعو في مطلع هذا العام الدراسي أسرتنا التربوية الأردنية الواحدة إلى معاهدة الوطن على التميز والتنافس البناء، وعلى الإقبال على العطاء والحرص على نيل المعرفة.
واعلموا أن مشوار الرفعة والازدهار يبدأ بكم، ولا يتم إلا بجهدكم.
وكل عام وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله الثاني ابن الحسين.